الأحد، 23 أغسطس 2015

عقيدة التوحيد وما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر والتعطيل والبدع

4:53 ص


بسم الله الرحمن الرحيم


عقيدة التوحيد 

وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر
والتعطيل والبدع 
وغير ذلك


لفضيلة الشيخ
صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان
جزاه الله تعالى خير الجزاء

المقـدمـة

الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏‏.‏‏. ‏
وبعد‏:‏ 

فهذا كتاب في علم التوحيد، 
وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة،
وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام،

ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية،
وكتب العلامة ابن القيم، 
وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
وتلاميذه من أئمة هذه الدعوة المباركة،

ومما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية
هو العلم الأساسي الذي تجدر العناية به
تعلمًا وتعليمًا وعملًا بموجبه؛

لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعاملين، 
وخصوصًا وأننا في زمان 
كثرت فيه التيارات المنحرفة؛

تيار الإلحاد،
وتيار التصوف والرهبنة،
وتيار القبورية الوثنية، 
وتيار البدع المخالفة للهدي النبوي،


وكلها تيارات خطيرة 
ما لم يكن المسلم مسلحًا بسلاح العقيدة الصحيحة
المرتكزة على الكتاب والسنة 
وما عليه سلف الأمة، 

فإنه حري أن تجرفه تلك التيارات المضلة؛
وهذا مما يستدعي العناية التامة
بتعليم العقيدة الصحيحة 
لأبناء المسلمين من مصادرها الأصيلة‏.‏ 


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‏.


==============



الباب الأول‏:‏ مدخل لدراسة العقيدة

الفصل الأول‏:


‏ في بيان العقيدة وبيان أهميتها 

باعتبارها أساسًا يقوم عليه بناء الدين


العقيدة لغة

مأخوذة من العقد وهو ربط الشيء، 
واعتقدت كذا‏:‏ عقدت عليه القلب والضمير‏.
‏ والعقيدة‏:‏ ما يدين به الإنسان،
يقال‏:‏ له عقيدة حسنة، 
أي‏:‏ سالمةٌ من الشك‏.

‏ والعقيدةُ عمل قلبي،
وهي إيمانُ القلب بالشيء وتصديقه به‏.‏

==============
الباب الأول‏:‏ مدخل لدراسة العقيدة

الفصل الأول‏:


‏ في بيان العقيدة وبيان أهميتها 

باعتبارها أساسًا يقوم عليه بناء الدين


العقيدة لغة

مأخوذة من العقد وهو ربط الشيء، 

واعتقدت كذا‏:‏ عقدت عليه القلب والضمير‏.
‏ والعقيدة‏:‏ ما يدين به الإنسان،
يقال‏:‏ له عقيدة حسنة، 
أي‏:‏ سالمةٌ من الشك‏.

‏ والعقيدةُ عمل قلبي،
وهي إيمانُ القلب بالشيء وتصديقه به‏.
والعقيدةُ شرعًا

هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر،
والإيمان بالقدر خيره وشره،
وتُسمَّى هذه أركانُ الإيمان‏.‏ 

والشريعة تنقسم إلى قسمين‏:‏
اعتقاديات وعمليات‏:‏ 

فالاعتقاديات‏:
هي التي لا تتعلق بكيفية العمل،
مثل اعتقاد ربوبية الله ووجوب عبادته، 
واعتقاد بقية أركان الإيمان المذكورة،
وتُسمَّى أصلية‏.‏ 


والعمليات‏:‏ 
هي ما يتعلق بكيفية العمل مثل الصلاة والزكاة والصوم 
وسائر الأحكام العملية،
وتسمى فرعية؛ 


لأنها تبنى على تلك صحة وفسادًا ‏‏.
فالعقيدةُ الصحيحةُ هي الأساسُ الذي يقوم عليه الدين
وتَصحُّ معه الأعمال، 


كما قال تعالى‏:‏


‏فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ

فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا 
وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا‏ }

 ‏[‏الكهف/110‏]‏‏.‏ 



وقال تعالى‏:‏ 


‏وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ

لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏}‏ 

‏[‏الزمر/65‏]‏‏.‏ 



وقال تعالى‏:‏ ‏


‏فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ *

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ‏ }



‏[‏الزمر/2، 3‏]‏‏.‏

فدلّت هذه الآيات الكريمة،
وما جاء بمعناها، وهو كثير،

على أن الأعمال لا تُقبلُ 

إلا إذا كانت خالصة من الشرك،

ومن ثَمَّ كان اهتمام الرسل 

- صلواتُ الله وسلامه عليهم -
بإصلاح العقيدة أولًا،

فأول ما يدعون أقوامهم إلى عبادة الله وحده،

وترك عبادة ما سواه، 

كما قال تعالى‏:‏ 


‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا

أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ‏}‏ 

[‏النحل/36‏]‏‏.‏

وكلُّ رسول يقول أول ما يخاطب قومه‏:‏ 

{‏ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏ }


‏ ‏[‏الأعراف/ 59، 65، 73، 85‏]‏


قالها نوح وهود وصالح وشعيب،

وسائر الأنبياء لقومهم‏.‏ 

وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة

بعد البعثة ثلاثة عشر عامًا 
يدعو الناس إلى التوحيد،
وإصلاح العقيدة؛ 

لأنها الأساسُ الذي يقوم عليه بناءُ الدين‏.‏



وقد احتذى الدعاة والمصلحون

في كل زمان حذو الأنبياء والمرسلين، 
فكانوا يبدءون بالدعوة إلى التوحيد،
وإصلاح العقيدة،
ثم يتجهون بعد ذلك 
إلى الأمر ببقية أوامر الدين‏.‏



==============
الفصل الثاني‏:

‏ في بيان مصادر العقيدة 
ومنهج السلف في تلقيها



العقيدة توقيفية؛

فلا تثبت إلا بدليل من الشارع،
ولا مسرح فيها للرأي والاجتهاد، 



ومن ثَمَّ فإن مصادرها مقصورة
على ما جاء في الكتاب والسنة؛

لأنه لا أحد أعلمُ بالله
وما يجب له وما ينزه عنه 
من الله،

ولا أحد بعد الله أعلمُ بالله
من رسول الله صلى الله عليه وسلم،


ولهذا كان منهج السلف الصالح
ومن تبعهم في تلقِّي العقيدة
مقصورًا على الكتاب والسنة‏.‏ 


فما دلّ عليه الكتاب والسنة 
في حق الله تعالى آمنوا به،
واعتقدوه وعملوا به‏.‏ 

وما لم يدل عليه كتاب الله ولا سنة رسوله
نفَوْهُ عن الله تعالى ورفضوه؛

ولهذا لم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد،
بل كانت عقيدتهم واحدة، 
وكانت جماعتهم واحدة؛
لأن الله تكفّل لمن تمسك بكتابه وسنة رسوله
باجتماع الكلمة،

والصواب في المعتقد واتحاد المنهج،



قال تعالى‏:‏ 

‏{‏ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏ }‏

‏[‏آل عمران/103‏]‏‏.‏ 


وقال تعالى‏:

‏ ‏{‏ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ‏}‏

[‏طه/23‏]‏‏.‏

ولذلك سُمُّوا بالفرقة الناجية؛ 

لأن النبي صلى الله عليه وسلم 
شهد لهم بالنجاة 
حين أخبر بافتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة،
كلها في النار
إلا واحدة،
ولما سئل عن هذه الواحدة



قال‏:‏

‏( ‏هي من كان على مثل 
ما أنا عليه اليوم وأصحابي‏ )

‏ ‏[‏الحديث رواه الإمام أحمد‏]‏‏.‏ 
وقد وقع مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم،

فعندما بنى بعض الناس عقيدتهم 
على غير الكتاب والسنة،
من علم الكلام،
وقواعد المنطق
الموروثَيْن عن فلاسفة اليونان؛ 

حصل الانحرافُ والتفرق في الاعتقاد
مما نتج عنه اختلافُ الكلمة، 
وتفرُّقُ الجماعة، 
وتصدع بناء المجتمع الإسلامي‏.‏



==============

الفصل الثالث‏:‏ 

في بيان الانحرافِ عن العقيدة
وسبل التوقي منه


الانحراف عن العقيدة الصحيحة مهلكة وضياع؛ 
لأن العقيدة الصحيحة هي الدافع القوي 
إلى العمل النافع،

والفرد بلا عقيدة صحيحة،
يكون فريسة للأوهام والشكوك 
التي ربما تتراكم عليه،
فتحجب عنه الرؤية الصحيحة
لدروب الحياة السعيدة؛

حتى تضيق عليه حياته
ثم يحاول التخلص من هذا الضيق 
بإنهاء حياته ولو بالانتحار، 

كما هو الواقع من كثير من الأفراد 
الذين فقدوا هداية العقيدة الصحيحة‏.‏

والمجتمع الذي لا تسوده عقيدة صحيحة 
هو مجتمع بهيمي
يفقد كل مقومات الحياة السعيدة؛ 

وإن كان يملك الكثير من مقومات الحياة المادية 
التي كثيرًا ما تقوده إلى الدمار،

كما هو مشاهد في المجتمعات الكافرة؛
لأن هذه المقومات المادية
تحتاج إلى توجيه وترشيد؛

للاستفادة من خصائصها ومنافعها، 
ولا موجه لها سوى العقيدة الصحيحة؛


قال تعالى‏:‏
‏{ ‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا‏ }‏

‏[‏المؤمنون/51‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏

‏{ ‏وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا
يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ
وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * 

أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ
وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ
وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ 
وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا 
نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ *

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ
وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ 

اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا 
وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ‏}

‏ ‏[‏سبأ/10-13‏]‏‏.‏ 


فقوة العقيدة يجب أن لا تنفك عن القوة المادية؛
فإن انفكت عنها بالانحراف إلى العقائد الباطلة، 
صارت القوة المادية وسيلة دمار وانحدار؛
كما هو المشاهد اليومَ
في الدول الكافرة التي تملكُ مادة،
ولا تملك عقيدة صحيحة‏.‏

والانحراف عن العقيدة الصحيحة
له أسباب تجب معرفتها،
من أهمها‏:‏ 


 الجهل بالعقيدة الصحيحة؛ 


بسبب الإعراض عن تعلمها وتعليمها،
أو قلة الاهتمام والعناية بها؛ 
حتى ينشأ جيلٌ لا يعرفُ تلك العقيدة،
ولا يعرف ما يخالفها ويضادها؛
فيعتقد الحق باطلًا، والباطل حقًّا،

كما قالَ عمرُ بن الخطاب 
- رضي الله عنه -‏:

‏ ‏"‏إنما تُنقضُ عُرى الإسلام عروةً عروةً
إذا نشأ في الإسلام من لا يعرفُ الجاهلية‏"‏‏.‏ 

 التّعصُّبُ لما عليه الآباء والأجداد،
والتمسك به وإن كان باطلًا،
وترك ما خالفه وإن كان حقًّا؛

كما قال الله تعالى‏:‏ 
‏{ ‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ 
قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا 

أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا 
وَلاَ يَهْتَدُونَ ‏}‏ 

‏[‏البقرة/170‏]‏‏.‏ 
 التقليدُ الأعمى
بأخذ أقوال الناس في العقيدة
من غير معرفة دليلها،
ومعرفة مدى صحتها،

كما هو الواقعُ من الفرقِ المخالفة 
من جهمية ومعتزلة،
وأشاعرة وصوفية،
وغيرهم،

حيثُ قلدوا من قبلهم من أئمة الضلال؛
فضلوا وانحرفوا 
عن الاعتقاد الصحيح‏.‏ 



 الغُلُو في الأولياء والصالحين، 
ورفعهم فوق منزلتهم؛

بحيث يُعتقد فيهم ما لا يقدر عليه إلا الله
من جلب النفع، ودفع الضر،

واتخاذهم وسائط بين الله وبين خلقه
في قضاء الحوائج
وإجابة الدعاء؛

حتى يؤول الأمر إلى عبادتهم
من دون الله، 
والتقرب إلى أضرحتهم 
بالذبائح والنذور، 
والدعاء والاستغاثة 
وطلب المدد،


كما حصل من قوم نوح في حق الصالحين 
حين قالوا‏:‏ 

‏{ ‏لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ 
وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا
وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ‏}‏ 

‏[‏نوح/23‏]‏‏.‏ 

وكما هُوَ الحاصلُ من عبَّاد القُبور اليومَ 
في كثير من الأمصار‏.‏

 الغفلة عن تدبر آيات الله الكونية، 
وآيات الله القرآنية، 
والانبهار بمعطيات الحضارة المادية؛


حتى ظنوا أنها من مقدور البشر وحده؛ 
فصاروا يُعظِّمون البشر،
ويضيفون هذه المعطيات إلى مجهوده واختراعه وحده،

كما قال قارون من قبلُ‏:
‏ ‏{ ‏قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي‏ }‏ ‏

[‏القصص/78‏]‏ 

وكما يقول الإنسان 
‏{ ‏هَذَا لِي ‏}‏

‏[‏فصلت/50‏]‏،

{ ‏إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ‏ } 

‏[‏الزمر/49]‏‏.‏ 


ولم يتفكروا وينظروا في عظمة من أوجد هذه الكائنات،
وأودعها هذه الخصائص الباهرة، 
وأوجد البشر وأعطاهُ المقدرةَ 
على استخراج هذه الخصائص،
والانتفاع بها

‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏ }

‏ ‏[‏الصافات/96‏]‏‏.‏ 

‏{‏ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ‏}‏

‏[‏الأعراف/185‏]‏‏.‏ 

‏{ ‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ 
وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ
لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ *

وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ‏}‏ ‏

[‏إبراهيم/32-34‏]‏‏.‏ 

 أصبح البيتُ في الغالب
خاليًا من التوجيه السليم؛

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:
‏ ‏( ‏كل مولود يولد على الفطرة 
فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ‏)‏

‏[‏أخرجه الشيخان‏]‏ 

فالأبوان لهما دور كبير
في تقويم اتجاه الطفل‏.‏ 


 إحجامُ وسائل التعليم والإعلام
في غالب العالم الإسلامي عن أداء مهمتهما،

فقد أصبحت مناهج التعليم في الغالب 
لا تولي جانب الدين اهتمامًا كبيرًا، 
أو لا تهتم به أصلًا، 

وأصبحت وسائلُ الإعلام
المرئية والمسموعة والمقروءة 
في الغالب أداة تدمير وانحراف،

أو تعنى بأشياء مادية وترفيهية،
ولا تهتم بما يُقَوِّمُ الأخلاق، 
ويزرع العقيدة الصحيحة،
ويقاوم التيارات المنحرفة؛
حتى ينشأ جيلٌ أعزلُ 
أمام جيوش الإلحاد
لا يدان له بمقاومتها‏.‏ 
وسبل التّوقِّي من هذا الانحراف
تتلخص فيما يلي‏:‏ 

 الرجوع إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ،
وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
لتلقِّي الاعتقاد الصحيح منهما،
كما كان السلف الصالح يستمدون عقيدتهم منهما،

ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها،

مع الاطلاع على عقائد الفرق المنحرفة،
ومعرفة شُبههم للرد عليها والتحذير منها؛ 
لأن من لا يعرف الشر يوشك أن يقع فيه‏.‏ 
 العناية بتدريس العقيدة الصحيحة 
- عقيدة السلف الصالح - 
في مختلف المراحل الدراسية،
وإعطاؤها الحصص الكافية من المنهج، 
والاهتمام البالغ في تدقيق الامتحانات في هذه المادة‏.‏ 

 أن تُقرر دراسةُ الكُتبِ السَّلفية الصافية،

ويبتعد عن كتب الفرق المنحرفة،
كالصوفية والمبتدعة، 
والجهمية والمعتزلة، 
والأشاعرة والماتريدية، 
وغيرهم إلا من باب معرفتها
لرد ما فيها من الباطل والتحذير منها‏.‏ 


 قيام دعاة مصلحين
يجددون للناس عقيدة السلف،
ويردون ضلالات المنحرفين عنها‏.



==============




الباب الثاني‏:‏
في بيان معنى التوحيد وأنواعه


التوحيدُ‏:‏

هو إفرادُ الله بالخلق والتدبر، 
وإخلاصُ العبادة له،
وترك عبادة ما سواه، 
وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى،
والصفات العليا، 
وتنزيهه عن النقص والعيب؛


فهو بهذا التعريف يشملُ أنواع التوحيد الثلاثة،

وبيانها كالتالي‏:‏ 


الفصل الأول‏:‏ 

في بيان معنى توحيد الربوبية
وإقرار المشركين به 


التوحيد‏:‏ 

بمعناه العام هو اعتقادُ تفرُّدِ الله تعالى بالربوبية،
وإخلاص العبادة له، 
وإثبات ما له من الأسماء والصفات،

فهو ثلاثة أنواع‏:‏ 


توحيد الربوبية،

وتوحيد الألوهية، 
وتوحيد الأسماء والصفات،

وكل نوع له معنى لابد من بيانه؛

ليتحدد الفرق بين هذه الأنواع‏:‏ 

1 ـ فتوحيد الربوبية 


هو إفرادُ الله تعالى بأفعاله؛ 

بأن يُعتقَدَ أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات‏:‏ 

{‏ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏ }‏ 


‏[‏الزمر/62‏]‏‏.‏ 


وأنه الرازق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم‏:‏


‏وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ 

إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ‏}

‏[‏هود/6‏]‏‏.‏ 



وأنه مالكُ الملك، 

والمدبّرُ لشؤون العالم كله؛ 
يُولِّي ويعزل، 
ويُعزُّ ويُذل، 
قادرٌ على كل شيء،
يُصَرِّفُ الليل والنهار،
ويُحيي ويُميت‏:

‏ ‏{‏ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ 

تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ 
وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ 
وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ 
بِيَدِكَ الْخَيْرُ 
إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * 

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ 

وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ 
وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ 
وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ 
وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏}‏ 

‏[‏آل عمران/26، 27‏]‏‏.‏ 



وقد نفى الله سبحانه 

أن يكون له شريكٌ في الملك أو معين،
كما نفى سُبحانه أن يكونَ له شريكٌ
في الخلق والرِّزق،


قال تعالى‏:‏ 

{‏ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ 
فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ‏}

‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏ 



وقال تعالى‏:‏ 

‏{‏ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ
إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ‏}‏

‏[‏الملك/21‏]‏‏.‏ 



كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه


فقال‏:

‏ ‏‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏}‏ 

‏[‏الفاتحة/2‏]‏،



وقال‏:‏


{‏ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ 

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ 
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ

يَطْلُبُهُ حَثِيثًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ 
أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ 

تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏ }‏ ‏


[‏الأعراف/54‏]‏‏.‏ 



وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته؛ 

حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة؛ 
يقرون بتفرده بالربوبية،


كما قال تعالى‏:‏ ‏


‏قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ 

وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ 

قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *

قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ 

وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ 
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ 

قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ‏ }‏ 

‏[‏المؤمنون/86-89‏]‏‏.‏




فهذا التوحيدُ لم يذهب إلى نقيضه
طائفة معروفة من بني آدم؛ 


بل القلوب مفطورة على الإقرار به؛ 
أعظم من كونها مفطورة 
على الإقرار بغيره من الموجودات؛


كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم‏:‏

{‏ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ
فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏ }‏ 

‏[‏إبراهيم/10‏]‏‏.‏ 


وأشهر من عرف تجاهله
وتظاهره بإنكار الرب فرعون، 
وقد كان مستيقنًا به في الباطن 


كما قال له موسى‏:

‏ ‏{‏ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاءِ
إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ ‏}‏ 

‏[‏الإسراء/102‏]‏‏.‏ 


وقال عنه وعن قومه‏:‏

{‏ وَجَحَدُوا بِهَا 
وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنفُسُهُمْ 
ظُلْمًا وَعُلُوًّا‏ }‏ 

‏[‏النمل/14‏]‏‏.‏ 


وكذلك من يُنكرُ الربَّ اليومَ من الشيوعيين؛ 
إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة؛
وإلا فهم في الباطن
لابد أن يعترفوا أنه ما من موجود إلا وله موجد، 
وما من مخلوق إلا وله خالق
وما من أثر إلا وله مؤثر،


قال تعالى‏:

‏ ‏{‏ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ
أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ 
بَل لا يُوقِنُونَ‏ }

‏[‏الطور/35-36‏]‏‏.‏ 


تأمل العالم كله، علويه وسفليه،
بجميع أجزائه؛
تجده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه‏.
‏ فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر؛
بمنزلة إنكار العلم وجحده،
لا فرق بينهما

‏[‏لأن العلم الصحيح يثبت وجود الخالق‏]‏،


وما تتبجح به الشيوعية اليوم
من إنكار وجود الرب؛
إنما هو من باب المكابرة،
ومصادرة نتائج العقول والأفكار الصحيحة، 

ومن كان بهذه المثابة،
فقد ألغى عقله ودعا الناس للسخرية منه‏.‏ 


قال الشاعر‏:‏ 

فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ **
أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ 

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ **
تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ








==============

الفصل الثاني‏:‏

مفهومُ كلمةِ الربِّ في القرآن والسُّنَّة
وتصوُّرات الأمم الضّالَّة

1 ـ مفهوم كلمة الرّبِّ في الكتاب والسنة

الرّبُّ في الأصل‏:‏ مصدرُ ربَّ يَرُبُّ،
بمعنى‏:‏ نشَّأ الشيءَ من حال إلى حال
إلى حال التمام،


يُقالُ‏:‏ ربَّه وربَّاه وربَّبَهُ،
فلفظ ‏(‏رب‏)‏ مصدر مستعار للفاعل، 

ولا يُقالُ‏:‏ ‏(‏الرَّبُّ‏)‏ بالإطلاق؛ 
إلا لله تعالى المتكفل بما يصلح الموجودات،


نحو قوله‏:‏ 
‏{ ‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏ }‏ ‏

[‏الفاتحة/2‏]‏،


‏رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ‏}

‏[‏الشعراء/26‏]‏‏.‏ 

ولا يقال لغيره إلا مضافًا محدودًا،
كما يقال‏:‏ رب الدار؛ 
وربُّ الفرس‏.‏ يعني صاحبُها،

ومنه قولُه تعالى حكاية عن يوسف عله السلام‏:‏

{‏ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ 
فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏ }‏ 

‏[‏يوسف/42‏]‏ 
على قول في تفسير الآية‏.‏ 


وقوله تعالى‏:‏
‏قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ‏ }‏ 

‏[‏يوسف/50‏]‏‏.‏ 

وقوله تعالى‏:‏ 
‏أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا‏ }

‏[‏يوسف/41‏]‏‏.‏ 

وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل‏:
‏ ‏( ‏حتى يجدها ربها‏ )‏ 

‏[‏من حديث متفق عليه‏]‏‏.‏ 


فتبين بهذا‏:‏

أن الرب يطلق على الله معرفًا ومضافًا،
فيقال‏:‏ الرب، أو رب العالمين،
أو رب الناس،

ولا تُطلق كلمة الرّبِّ على غير الله إلا مضافة، 
مثل‏:‏ 
رب الدار، ورب المنزل، ورب الإبل‏.‏ 


ومعنى ‏(‏ رب العالمين ‏)‏ 
أي‏:
‏ خالقهم ومالكهم،
ومصلحهم ومربيهم بنعمه،
وبإرسال رسله، وإنزال كتبه، 
ومجازيهم على أعمالهم‏.‏ 


قال العلامة ابن القيم رحمه الله‏:‏ 

‏(‏ فإنَّ الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم،
وجزاء مُحسنهم بإحسانه،
ومُسيئهم بإساءته‏ )‏ .‏ 

هذه حقيقة الربوبية‏.‏ 
2 ـ مفهوم كلمة الرب في تصورات الأمم الضالة

خلق الله الخلق مفطورين على التوحيد،
ومعرفة الرب الخالق سبحانه،

كما قال الله تعالى‏:‏ 
‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا 
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا 
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ‏}

‏[‏الروم/30‏]‏‏.‏ 

وقال تعالى‏:‏
‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ 
مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ 
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ 
قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا‏ }

‏[‏الأعراف/172‏]‏‏.‏ 


فالإقرارُ بربوبية الله
والتوجه إليه أمر فطري،
والشرك حادث طارئ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏ كلُّ مولود يُولد على الفطرة،
فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه ‏)‏ 

‏[‏رواه الشيخان‏]‏،


فلو خُلِّيَ العبد وفطرته
لاتجه إلى التوحيد 
وقَبِل دعوة الرسل؛ 
الذي جاءت به الرسل، 
ونزلت به الكتب، 
ودلّت عليه الآيات الكونية، 


ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة
هما اللتان تغيران اتجاه المولود،
ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم 
في الضلالة والانحراف‏.‏ 


يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي‏:‏ 
‏(‏ خلقت عبادي حنفاء،
فاجتالتهم الشياطين‏ )‏

‏[‏رواه أحمد ومسلم‏]‏


أي‏:‏ صَرَفَتْهُم إلى عبادة الأصنام،
واتخاذها أربابًا من دون الله؛ 
فوقعوا في الضلال والضياع، 
والتفرق والاختلاف؛ 
كل يتخذ له ربًّا يعبده غير رب الآخر؛


لأنهم لما تركوا الرب الحق،
ابتُلُوا باتخاذ الأرباب الباطلة، 

كما قال تعالى‏:‏ 

{‏ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ
فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ‏}

‏[‏يونس/32‏]‏


والضلال ليس له حدّ ونهاية، 
وهو لازم لكل من أعرضَ عن ربه الحق، 


قال الله تعالى‏:‏ 

{‏ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ

أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * 

مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً 
سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم
مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ‏}‏ 

‏[‏يوسف/39، 40‏]‏‏.‏
والشّركُ في الربوبية 
باعتبار إثبات خالقين متماثلين 
في الصفات والأفعال ممتنع،

وإنما ذهب بعض المشركين
إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون،
وقد تلاعب بهم الشيطان
في عبادة هذه المعبودات،
فتلاعَبَ بكل قوم على قدر عقولهم،


فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى؛
الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، 
كقوم نوح، 

وطائفةٌ اتخذت الأصنام على صورة الكواكب؛
التي زعموا أنها تؤثر على العالم،
فجعلوا لها بيوتًا وسدنة‏.‏ 

واختلفوا في عبادتهم لهذه الكواكب‏:‏ 
فمنهم من عبد الشمس،
ومنهم من عبد القمر، 

ومنهم من يعبدُ غيرهما من الكواكب الأخرى؛
حتى بنوا لها هياكل،
لكل كوكب منها هيكل يخصه،

ومنهم من يعبدُ النار،
وهم المجوس،

ومنهم من يعبد البقر،
كما في الهند،

ومنهم من يعبد الملائكة،
ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، 

ومنهم من يعبدُ القبور والأضرحة،
وكل هذا
بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء 
شيئًا من خصائص الربوبية‏.‏


فمنهم من يزعم أن هذه الأصنام تمثل أشياء غائبة،

قال ابن القيم‏:‏ 

‏( ‏وضع الصنم 
إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب،
فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته؛
ليكون نائبًا منابه،
وقائمًا مقامه‏.
وإلا فمن المعلوم
أن عاقلًا لا ينحت خشبة أو حجرًا بيده،
ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده‏.‏‏.‏.‏‏)‏
انتهى ‏.‏ 


كما أن عُبَّاد القبورِ قديمًا وحديثًا،
يزعمون أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم، 
ويتوسطون لهم عند الله في قضاء حوائجهم 

ويقولون‏:‏ 
‏مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ‏}

‏[‏يونس/18‏]‏، 


‏{ ‏وَيَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ 
مَا لاَ يَضُرُّهُمْ
وَلاَ يَنفَعُهُمْ 

وَيَقُولُونَ 
هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ‏}‏

‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏ 


كما أن بعض مشركي العرب والنصارى
تصوروا في معبوداتهم أنها ولد الله،

فمشركو العرب عبدوا الملائكة على أنها بنات الله،
والنصارى عبدوا المسيح - عليه السلام -
على أنه ابن الله‏.‏
3 ـ الرد على هذه التصورات الباطلة


قد رد الله على هذه التصورات الباطلة جميعًا بما يأتي‏:‏


أ ـ ردّ على عبدة الأصنام بقوله‏:‏

‏أَفَرَأيْتُمُ الَّلاَتَ وَالعُزَّى * 
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى‏ }

‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏ 

ومعنى الآية كما قال القرطبي‏:‏ 

أفرأيتم هذه الآلهة‏!‏ 
أنفعت أو ضرت؛ 
حتى تكون شركاء لله تعالى‏؟

وهل دفعت عن نفسها
حينما حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه رضي الله عنهم وهدموها‏.‏ 

وقال تعالى‏:‏ ‏

‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ *
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ *

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ *
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * 
أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * 

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا 
كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ‏}

‏[‏الشعراء/69-74‏]‏‏.‏ 


فقد وافقوا على أنَّ هذه الأصنامَ 
لا تسمعُ الدعاءَ ولا تنفعُ ولا تضر، 
وإنَّما عبدوها تقليدًا لآبائهم، 
والتقليد حجة باطلة‏.‏ 
ب ـ ورد على من عبد الكواكب والشمس والقمر

بقوله‏:‏
‏{‏ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ‏ }

‏ ‏[‏الأعراف/54‏]‏، 

وبقوله‏:‏
‏{‏ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ
وَلا لِلْقَمَرِ

وَاسْجُدُوا لِلَّهِ
الَّذِي خَلَقَهُنَّ
إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ‏}‏

‏[‏فصلت/37‏]‏‏.‏ 
جـ ـ ورد على من عبد الملائكة والمسيح 
- عليهم السلام - 
على أنهم ولد الله - 

بقوله تعالى‏:‏
‏{‏ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ ‏}‏

‏[‏المؤمنون/91‏]‏،

وبقوله‏:‏ 
‏{ ‏أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ
وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ‏}‏

‏[‏الأنعام/101‏]‏،


وبقوله‏:‏ 
‏{ ‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ‏}

‏[‏الإخلاص/3، 4‏]‏‏.‏
الفصل الثالث‏:‏

الكونُ وفطرتُهُ في الخُضُوعِ والطَّاعةِ لله


إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه،
ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره،
وملائكته وجنه وإنسه؛
كله خاضع لله،
مطيع لأمره الكوني،

قال تعالى‏:‏ 
{‏ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ 
طَوْعًا وَكَرْهًا‏ }‏ 

‏[‏آل عمران‏:‏83‏]‏،

وقال تعالى‏:‏ 
{‏ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ‏}

‏[‏البقرة/116‏]‏،

{‏ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ 
وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ 
وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ‏}
‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ 
يَسْجُدُ لَهُ 
مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَن فِي الأَرْضِ
وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ
وَالنُّجُومُ 
وَالْجِبَالُ 
وَالشَّجَرُ 
وَالدَّوَابُّ 
وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ‏ }


‏ ‏[‏الحج/18‏]‏، ‏

‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا 
وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏ }

‏[‏الرعد‏:‏15‏]‏‏.‏ 


فكُلُّ هذه الكائنات والعوالم؛ 
مُنقادة لله خاضعة لسلطانه؛
تجري وفق إرادته وطوع أمره، 
لا يستعصي عليه منها شيء؛ 
تقوم بوظائفها،
وتؤدي نتائجها بنظام دقيق، 
وتنزه خالقها عن النقص والعجز والعيب،



قال تعالى‏:‏
{‏ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ
وَمَن فِيهِنَّ 

وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ
وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏ }

‏[‏الإسراء/44‏]‏‏.‏ 


فهذه المخلوقات صامتها وناطقها، 
وحيها وميتها، 
كلها مُطيعةٌ لله مُنقادة لأمره الكوني، 
وكُلُّها تنزه الله عن النقائص والعيوب
بلسان الحال، ولسان المقال‏.‏ 


فكلما تدبّر العاقل هذه المخلوقات؛ 
علم أنها خُلقت بالحق وللحق،
وأنها مسخرات ليس لها تدبير
ولا استعصاء عن أمر مدبرها؛ 
فالجميع مُقِرُّون بالخالق بفطرتهم‏.‏ 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية 
- رحمه الله -‏:

‏ ‏(‏وهم خاضعون مُستسلمون، 
قانتون مضطرون، 
من وجوه‏:‏ 

منها‏:‏ علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه‏.‏

ومنها‏:‏ خضوعُهُم واستسلامهم
لما يجري عليهم من أقداره ومشيئته‏.‏ 

ومنها‏:‏ دعاؤهم إياهُ عندَ الاضطرار‏.‏ 

والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعًا؛
وكذلك لما يقدره عليه من المصائب،
فإنه يفعلُ عندها ما أُمر به من الصبر وغيره طوعًا؛ 

فهو مسلم لله طوعًا،
خاضع له طوعًا ‏.‏

والكافرُ يخضع لأمر ربه الكوني،

وسجود الكائنات المقصود به الخضوعُ،
وسجود كل شيء بحَسَبِه،
سُجودٌ يناسبه
ويتضمَّنُ الخضوع للرب،

وتسبيح كل شيء بحسبه 
حقيقةً لا مجازًا‏ )‏‏.‏ 

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية 
- رحمه الله - 

على قوله تعالى‏:‏ 
{ ‏أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ 
وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏ }

‏[‏آل عمران/83‏]‏‏.‏ 

قال‏:‏ 
‏(‏فذكر سبحانه إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛
لأن المخلوقات جميعها 
متعبدة له التعبد التام؛
سواء أقر المقر بذلك أو أنكره؛
وهم مَدينون له مُدَبَّرون؛

فهمُ مسلمون له طوعًا وكرهًا،
وليس لأحد من المخلوقات
خروج عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه، 
ولا حول ولا قوة إلا به،

وهو رب العالمين 
ومليكُهُم،
يصرفهم كيف يشاء، 

وهو خالقهم كلهم،
وبارئهم ومصورهم،


وكل ما سواه 
فهو مربوب مصنوع،
مفطور فقير محتاج مُعبَّدٌ مقهور؛


وهو سبحانه 
الواحد 
القهار 
الخالق
البارئ 
المصور‏ )‏ ‏.‏



==============

الفصل الرابع‏:‏ 

في بيانِ منهج القرآن 
في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته


منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته؛ 
هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة،
والعقول السليمة،
وذلك بإقامة البراهين الصحيحة،
التي تقتنع بها العقول،
وتسلم بها الخصوم،
ومن ذلك‏:‏ 

1 ـ من المعلوم بالضرورة أن الحادث لابد له من محدث

هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة؛
حتى للصبيان؛
فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ،
وهو غافلٌ لا يُبصره،
لقال‏:‏ من ضربني‏؟‏

فلو قيل له‏:‏ لم يضربكَ أحدٌ؛

لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ 
حدثت من غير محدث؛

فإذا قيل‏:‏ فلان ضربَكَ، 
بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ؛ 

ولهذا قال تعالى‏:‏
{ ‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ 
أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ‏}

‏[‏الطور/35‏]‏‏.‏ 

وهذا تقسيم حاصر، 
ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري؛
ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة، 
لا يمكن جحدها،


يقول‏:‏
‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ‏}

أي‏:‏ من غير خالق خلقهم،
أم هم خَلَقوا أنفسهم‏؟‏

وكلا الأمرين باطلٌ؛

فتعين أن لهم خالقًا خلقهم،
وهو الله سبحانه،
ليسَ هُناك خالق غيره،


قال تعالى‏:‏ ‏
‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ
فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ‏}‏ 

‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏ 

‏أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ ‏}‏ 

‏[‏الأحقاف/4‏]‏‏.‏ 

‏أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ
فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ
قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ 
وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ‏}

‏[‏الرعد/16‏]‏،

‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ‏}‏ 

‏[‏الحج/73‏]‏‏.‏ 

‏وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ‏}

‏ ‏[‏النحل/20‏]‏‏.‏ 

‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ 
أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏ }

‏[‏النحل/17‏]‏‏.‏ 


ومع هذا التحدي المتكرِّر
لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا،
ولا مجرد دعوى 
- فضلًا عن إثبات ذلك -،


فتعيَّنَ أن
الله سُبحانه 
هو الخالقُ
وحدَهُ 
لا شريك له‏.‏



2 ـ انتظام أمر العالم كله وإحكامه


أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد،
وربٌّ واحدٌ
لا شريك له 
ولا مُنازع‏.‏ 


قال تعالى‏:‏ 
‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ 
وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ

إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ
وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ‏}

‏[‏المؤمنون/91‏]‏‏.‏ 


فالإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلًا،

فلو كان معه سبحانه إله آخر،
يُشاركه في مُلكه 
- تعالى الله عن ذلك -
لكان له خلق وفعل، 
وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه؛ 

بل إن قدر على قهر شريكه 
وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ؛ فعل‏.‏

وإن لم يقدر على ذلك،
انفرد بنصيبه في الملك والخلق؛
كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه،

فيحصل الانقسام‏.

‏ فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور‏:‏ 

أ ـ إما أن يقهر أحدهما الآخر
وينفردَ بالملك دونه‏.‏ 

ب ـ وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما 
عن الآخر بملكه وخلقه؛
فيحصل الانقسام‏.‏ 

جـ ـ وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ
يتصرّفُ فيهما كيف يشاء؛
فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه‏.‏ 


وهذا هو الواقعُ، 

فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل؛ 
مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ، 
لا منازع له،

وأن مالكه واحد
لا شريك له‏.‏

3 ـ تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها،
والقيام بخصائصها

فليسَ هُناك مخلوق يستعصي
ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون، 

وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - 
حين سأله فرعون‏:

‏ ‏{‏ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ‏}‏ 

أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال‏:‏ 

{‏ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏ }

‏[‏طه/49، 50‏]‏

أي‏:‏ ربنا الذي خلق جميع المخلوقات،
وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به؛ 
من كبر الجسم وصغره وتوسطه 
وجميع صفاته، 

ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له،
وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام
وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ
في جميع المخلوقات،

فكلُّ مخلوق تجده يسعى 
لما خلق له من المنافع،
وفي دفع المضَارِّ عنه،

حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك؛ 
ما يتمكن به من فعل ما ينفعه،
ودفع ما يضره، 
وما به يؤدي مهمته في الحياة،

وهذا كقوله تعالى‏:‏
{‏ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ‏}

‏[‏السجدة/7‏]‏‏.‏ 


فالذي خلق جميعَ المخلوقات، 
وأعطاها خلقَها الحسنَ 
- الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - 
وهداها لمصالحها، 

هو الرب على الحقيقة،
فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا،
وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب،


فالله أعطَى الخلق كل شيء
يحتاجون إليه في الدنيا،

ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به،
ولاشك أنه أعطى كل صنف شكلَه 
وصورتَهُ المناسبة له،

وأعطى كل ذكر وأنثى 
الشّكلَ المناسبَ له من جنسه،
في المناكحة والألفة والاجتماع،

وأعطى كل عضو شكله الملائم
للمنفعة المنوطة به،

وفي هذا براهين قاطعة 
على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء، 
وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه‏.‏‏.‏‏.‏ 

وفي كُـلِّ شـيءٍ لَـهُ آيـةٌ ** تَدلُّ على أنّه الواحدُ 


ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته 
- سبحانه -
لخلقه وانفراده لذلك‏:‏ 

هو الاستدلال به على وجوب عبادته
وحده لا شريك له؛
الذي هو توحيد الألوهية،

فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية
ولم يقر بتوحيد الألوهية
أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح؛
لم يكن مسلمًا، 
ولا موحدًا؛ 
بل يكون كافرًا جاحدًا، 


وهذا ما سنتحدَّث عنه في الفصل التالي
- إن شاء الله تعالى -‏.‏ 














==============




الفصل الخامس‏:‏

بيانُ استلزامِ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ لتوحيد الأُلوهيَّة



ومعنى ذلك أنَّ من أقرَّ بتوحيد الربوبية لله،

فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق
ولا مدبِّر للكون إلا الله 
- عز وجل -

لزمه أن يُقرَّ بأنه لا يستحق العبادة 

بجميع أنواعها إلا الله سبحانه، 

وهذا هو توحيد الألوهية،


فإنَّ الألوهية هي العبادة؛

فالإله معناه‏:‏ المعبود،

فلا يُدعى إلا الله، 

ولا يُستغاثُ إلا به،
ولا يُتوَكَّلُ إلا عليه،
ولا تذبح القرابين 
وتُنذر النذورُ
ولا تُصرفُ جميعُ أنواع العبادة
إلا له؛ 

فتوحيدُ الربوبية دليلٌ 

لوجوب توحيد الألوهية؛ 

ولهذا كثيرًا ما يحتجُّ الله - سُبحانه - 

على المنكرين لتوحيد الألوهية
بما أقروا به من توحيد الربوبية، 

مثل قوله تعالى‏:‏ ‏


‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ 

الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً 
وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً 
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ 

فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا 

وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ 

‏[‏البقرة/21، 22‏]‏‏.‏ 



فأمرهم بتوحيد الألوهية،

وهو عبادتهُ، 
واحتجَّ عليهم بتوحيد الرُّبوبية
الذي هو خَلْقُ الناس الأولين والآخرين، 
وخلقُ السماءِ والأرضِ وما فيهما، 
وتسخير الرياح 
وإنزالُ المطر، 
وإنباتُ النبات، 
وإخراج الثمرات
التي هي رزق العباد،

فلا يليق بهم أن يُشركوا معه غيره؛

ممَّنْ يعلمون أنه لم يفعل شيئًا من ذلك، 
ولا من غيره،

فالطريق الفطري لإثبات توحيد الألوهية‏:‏ 
الاستدلال عليه بتوحيد الربوبية؛

فإن الإنسان يتعلق أولًا بمصدر خلقه،
ومنشأ نفعه وضره؛

ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقرّبه إليه، 
وترضيه عنه،
وتوثق الصلة بينه وبينه، 

فتوحيد الربوبية بابٌ لتوحيد الألوهية؛
من أجل ذلك احتجَّ الله على المشركين بهذه الطريقة،
وأمر رسوله أن يحتجَّ بها عليهم،

فقال تعالى‏:‏ 
‏قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ *

قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ 
وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * 
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ 
قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *

قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ 
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ‏}

‏[‏المؤمنون/84-89‏]‏‏.‏ 


وقال تعالى‏:‏

‏ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ 
لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ 
فَاعْبُدُوهُ ‏}

‏[‏الأنعام/102‏]‏‏.‏ 


فقد احتج بتفرُّدِه بالربوبية
على استحقاقه للعبادة، 


وتوحيد الألوهية‏:‏ 
هو الذي خُلق الخلق من أجله،

قال تعالى‏:‏
‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ
إِلا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ 

‏[‏الذاريات/56‏]‏‏.‏ 

ومعنى ‏(‏يعبدون‏)‏‏:‏ يُفردوني بالعبادة،


ولا يكون العبدُ موحدًا
بمجرد اعترافه بتوحيد الربوبية؛ 
حتى يُقرَّ بتوحيد الألوهية، 
ويقومَ به،

وإلا فإنَّ المشركين كانوا مُقرِّينَ بتوحيدِ الربوبية،
ولم يُدخلهم في الإسلام،

وقاتلهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،

وهم يُقرُّون بأن الله هو الخالق الرازق،
المحيي المميت،

كما قال تعالى‏:‏
‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ‏}‏ 

‏[‏الزخرف/87‏]‏،

‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏ }

‏[‏الزخرف/9‏]‏، 


‏{ ‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ
وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ 
وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ
فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ‏}‏ 

‏[‏يونس/31‏]‏‏.‏ 

وهذا كثيرٌ في القرآن،
فمن زعمَ أنَّ التوحيدَ هو
الإقرارُ بوجود الله،

أو الإقرار بأن الله هو
الخالق المتصرف في الكون،
واقتصر على هذا النوع؛ 

لم يكن عارفًا لحقيقة التوحيد
الذي دعَتْ إليه الرسل؛

لأنه وقفَ عندَ الملزوم وترك اللازم،
أو وقف عند الدليل
وترك المدلول عليه‏.‏ 


ومن خصائص الألوهية‏:

‏ الكمالُ المطلقُ من جميع الوجوه؛
الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه،


وذلك يوجب أن تكون العبادة
كلها له وحده،
والتعظيم والإجلال،
والخشية والدعاء،
والرجاء،
والإنابة، 
والتوكل والاستغاثة،

وغاية الذُّلِّ 
مع غاية الحُبِّ،


كل ذلك يجب عقلًا وشرعًا وفطرةً
أن يكون لله وحده،

ويمتنع عقلًا وشرعًا وفطرةً 
أن يكون لغيره‏.‏
2 ـ توحيد الألوهية

الفصل الأول‏:‏ 

في بيانِ معنى توحيدِ الألوهيَّةِ
وأنه موضوعُ دعوةِ الرُّسل


توحيدُ الألوهية‏:‏ الألوهية هي العبادة 

وتوحيدُ الألوهية هو‏:‏
إفرادُ الله تعالى بأفعال العباد 
التي يفعلونها على وجه التقرب المشروع،
كالدعاء والنذر والنحر،
والرجاء والخوف،
والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة، 

وهذا النوع من التوحيد
هو موضوع دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم،


قال تعالى‏:‏ 
‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا
أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏ }

‏[‏النحل/36‏]‏،


وقال تعالى‏:‏ 
‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ 
إِلا نُوحِي إِلَيْهِ 
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ
فَاعْبُدُونِ ‏}‏ 

‏[‏الأنبياء/25‏]‏‏.‏ 

وكلُّ رسول يبدأ دعوته لقومه بالأمر بتوحيد الألوهية،
كما قال نوح وهود وصالح وشعيب‏:‏ 

{‏ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ 
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ }‏ 

‏[‏الأعراف/59، 65، 73، 85‏]‏،

‏وَإِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ‏}

‏[‏العنكبوت/16‏]‏‏.‏
وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏

{ ‏قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ
مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ‏}‏ 

‏[‏الزمر/11‏]‏‏.‏ 

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏ ( ‏أمرت أن أقاتل الناس؛
حتى يشهدوا 
أن لا إله إلا الله 
وأن محمدًا رسول الله‏ )‏ ‏

[‏الحديث رواه البخاري ومسلم‏]‏‏.‏ 


وأول واجب على المكلف‏:‏ 
شهادة أن لا إله إلا الله والعمل بها،

قال تعالى‏:‏
{‏ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ 
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ‏}

‏[‏محمد/19‏]‏‏.‏ 


وأول ما يؤمر به مَنْ يريد الدخول في الإسلام‏:
‏ النطقُ بالشهادتين، 

فتبين من هذا‏:‏

أن توحيد الألوهية هو مقصودُ دعوة الرُّسل،

وسُمِّي بذلك؛ 
لأن الألوهية وصف الله تعالى 
الدال عليه اسمه تعالى ‏(‏الله‏)‏،
فالله‏:‏ ذو الألوهية،
أي المعبود‏.‏



ويقال له‏:‏ توحيد العبادة؛ 

باعتبار أن العبودية وصفُ العبد،

حيثُ إنه يجبُ عليه أن يعبد الله
مخلصًا في ذلك؛
لحاجته إلى ربه وفقره إليه، 


قال شيخ الإسلام ابن تيمية

- رحمه الله -‏:‏ 

‏(‏ واعلم أن فقر العبد إلى الله‏:‏ 

أن يعبده لا يُشرك به شيئًا، 
ليس له نظير فيُقاسُ به؛

لكن يُشبه من بعض الوجوه 

حاجة الجسد إلى الطعام والشراب،
وبينهما فروق كثيرة؛

فإن حقيقة العبد قلبه وروحه، 

وهي لا صلاحَ لها إلا بإلهها
الله الذي لا إله إلا هو،

فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره‏.‏ 


ولو حَصَلَ للعبد لذّات وسرور بغير الله،

فلا يدوم ذلك،
بل ينتقل من نوعٍ إلى نوعٍ،
ومن شخص إلى شخص،

وأما إلهه فلابد له منه في كل حال،

وكل وقت 
وأينما كان فهو معه‏ )‏ ‏‏.‏ 


وكان هذا النوع من التوحيد 

هو موضوع دعوة الرسل؛
لأنه الأساسُ الذي تُبنى عليه جميع الأعمال،

وبدون تحققه لا تصحُّ جميعُ الأعمال‏:‏

فإنه إذا لم يتحقق؛
حصل ضده، وهو الشركُ،


وقد قال الله تعالى‏:‏ 


‏{ ‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ

أَن يُشْرَكَ بِهِ ‏}‏ ‏

[‏النساء/48/ 116‏]‏،




وقال تعالى‏:‏ 


‏{ ‏وَلَوْ أَشْرَكُواْ 

لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ‏}

‏ ‏[‏الأنعام/88‏]‏، 



وقال تعالى‏:‏


‏{‏ لَئِنْ أَشْرَكْتَ

لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏}‏ 

‏[‏الزمر/65‏]‏‏.‏ 


ولأن هذا النوع من التوحيد؛ 

هو أول الحقوق الواجبة على العبد،


كما قال تعالى‏:‏


‏{ ‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ

وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا 
وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا‏ }‏ 

‏[‏النساء/36‏]‏ الآية،



وقال تعالى‏:


‏ ‏{ ‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ

وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا‏ }‏ 

‏[‏الإسراء/23‏]‏ الآية،



وقال تعالى‏:‏


‏{ ‏قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ

أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا‏ }‏ 

‏[‏الأنعام/151-153‏]‏ الآيات‏.‏ 

































==============
الفصل الثاني‏:

‏ في بيان معنى الشَّهادتين
وما وقعَ فيهما من الخطأ

وأركانهما 
وشروطهما 
ومقتضاهما 
ونواقضهما 



أولًا‏:‏ معنى الشَّهادتين


معنى شهادة أن لا إله إلا الله‏:

‏ الاعتقاد والإقرار،
أنه لا يستحقُّ العبادةَ إلا الله،
والتزام ذلك والعمل به،


‏( ‏فلا إله ‏)‏
نفي لاستحقاق من سوى الله للعبادة كائنًا من كان

‏(‏ إلا الله ‏)‏ 
إثباتٌ لاستحقاق الله وحده للعبادة، 


ومعنى هذه الكلمة إجمالًا‏:‏ 
لا معبودَ بحقٍّ إلا الله‏.


‏ وخبر ‏(‏لا‏)‏ يجب تقديره‏:‏ 
‏(‏بحقٍّ‏)‏

ولا يجوزُ تقديره بموجود؛ 


لأنّ هذا خلافُ الواقع،
فالمعبوداتُ غيرُ الله موجودة بكثرة؛
فيلزم منه أن عبادة هذه الأشياء عبادة لله، 
وهذا من أبطل الباطل

وهو مذهب أهل وحدة الوجود
الذين هم أكفر أهل الأرض‏.‏ 


وقد فُسّرتْ هذه الكلمةُ بتفسيرات باطلة منها‏:‏ 

‏(‏ أ ‏)‏ أن معناه‏:‏ لا معبودَ إلا الله‏.‏ وهذا باطلٌ؛

لأن معناه‏:‏ أن كل معبود بحقّ أو باطل هو الله،
كما سبق بيانه قريبًا‏.‏ 

‏(‏ ب ‏)‏ أن معناها‏:‏ لا خالقَ إلا الله‏.‏

وهذا جزء من معنى هذه الكلمة؛
ولكن ليس هو المقصود؛ 
لأنه لا يثبت إلا توحيد الربوبية، 
وهو لا يكفي وهو توحيد المشركين‏.‏ 


‏(‏جـ‏)‏ أن معناها‏:‏ لا حاكميّةَ إلا لله،

وهذا أيضًا جزء من معناها، 
وليس هو المقصود؛ 
لأنه لا يكفي،


لأنه لو أفرد الله بالحاكمية فقط 
ودعا غير الله أو صرف له شيئًا من العبادة
لم يكن موحدًا، 


وكل هذه تفاسير باطلة أو ناقصة؛ 
وإنما نبهنا عليها 
لأنها توجد في بعض الكتب المتداولة‏.‏ 


والتفسيرُ الصحيح 
لهذه الكلمة عند السلف والمحققين‏:‏ 

أن يُقالَ‏:‏
‏(‏ لا معبود بحق إلا الله‏ )‏
كما سبق‏.‏ 
2 ـ ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله‏:‏

هو الاعتراف باطنًا وظاهرًا
أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة،

والعمل بمقتضى ذلك 
من طاعته فيما أمر، 
وتصديقه فيما أخبر، 
واجتناب ما نهى عنه وزجر، 

وألا يُعبدَ الله إلا بما شرع‏.‏

0 التعليقات:

إرسال تعليق